في زمانٍ أصبح فيه التفكير في المشاريع الكبرى رفاهية لا يقدر عليها إلا أصحاب الرؤية الحقيقية، يخرج علينا برلماني بمطلب “حداثي” للغاية: إنشاء مركز للدرك الملكي بجماعة ترابية بالرحامنة . مطلب كهذا يُعيدنا إلى التفكير في فلسفة التنمية: هل هي حل المشكلات أم تهدئة النفوس؟
السيد البرلماني، في حكمته السياسية العميقة، أدرك أن سكان الجماعة لا يحتاجون مصانع ولا مستشفيات، بل مركزًا للدرك الملكي ليحرس أحلامهم المؤجلة وطموحاتهم المهدورة. فلا بأس، حين تعاني الجماعة من البطالة، أن يوفر المركز حلاً سحريًا: وظيفة واحدة أو اثنتين كأعوان حراسة!
المفارقة هنا أن مطلبه يبدو وكأنه محاولة لإقناع الساكنة بأن مشكلتهم ليست في غياب التنمية أو التعليم أو البنية التحتية، بل في غياب من “يحرر المحاضر”! كأن الجماعة في حرب مع نفسها، تحتاج من يُراقبها بدلاً من من يُنقذها.
ربما فلسفة هذا البرلماني تقوم على مبدأ “الأمن قبل الخبز”، فالطريق المهترئ لا يُهم، ما دام الدركي سيأتي بسيارته الخاصة ليعاين الحفر. والبطالة ليست كارثة ما دام المركز سيحرس سكينة الفقر.
التنمية ليست بناء مراكز لمراقبة الفوضى، بل بناء مجتمعات قادرة على خلق الفرص. لكن يبدو أن فلسفة بعض الساسة تدور حول سؤال بسيط: كيف نُغطي الفشل؟ والإجابة دائمًا تأتي من بوابة “الأمن”.