كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن تقرير صادم حول ورش تعميم التغطية الصحية في المغرب، مسلطًا الضوء على الاختلالات الكبرى التي تحول هذا المشروع الإصلاحي إلى مصدر لمعاناة الفئات الضعيفة ومكاسب ضخمة للرأسمال الخاص في القطاع الصحي.
أرقام تناقض التصريحات الحكومية
أوضح التقرير أن قرابة 8.5 مليون مغربي، أي حوالي ربع السكان، لا يزالون خارج التغطية الصحية، وهو رقم يتناقض مع الأرقام الرسمية التي تدعي تغطية أكثر من 80% من المغاربة. هذا التناقض ناتج عن تسجيل نحو 3.5 مليون مغربي في النظام دون استفادتهم الفعلية بسبب عدم انتظامهم في دفع الاشتراكات.
تغطية لا تخفف العبء
أبرز التقرير أن التغطية الصحية في المغرب لا تحقق هدفها الأساسي، وهو تخفيف العبء المالي على الأسر. إذ لا تتجاوز التعويضات التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثلث تكلفة العلاج، بينما يتحمل المرضى أكثر من 50% من التكاليف، متجاوزين بكثير توصيات منظمة الصحة العالمية التي تنص على سقف 25%.
هيمنة القطاع الخاص
كشف التقرير عن استحواذ المصحات الخاصة على النسبة الأكبر من نفقات التغطية الصحية:
96% من نفقات علاج أجراء القطاع الخاص.
84% من نفقات موظفي ومتقاعدي الإدارات العمومية.
57% من نفقات الفئات الفقيرة المستفيدة من نظام “آمو تضامن”.
هذا الوضع يسلط الضوء على غياب بدائل عمومية فعالة تلبي احتياجات المواطنين.
تفاوت كلفة العلاج
أوضح التقرير أن كلفة العلاج في المصحات الخاصة تفوق تلك في المستشفيات العمومية بأكثر من ستة أضعاف. وفسر ذلك بغياب بروتوكولات علاجية واضحة، ما يفتح المجال أمام المصحات لتحميل المرضى تكاليف إضافية غير ضرورية.
معوقات إضافية
أشار التقرير إلى أن إلزامية الوصفة الطبية لاسترداد النفقات تشجع على استهلاك الأدوية بشكل مفرط، وتؤخر التشخيص والوقاية.
توصيات المجلس
دعا التقرير إلى تعزيز الرقابة على المصحات الخاصة، وإصلاح منظومة التعويضات لتخفيف العبء على المواطنين. كما شدد على ضرورة تقوية المنظومة الصحية العمومية، وتحسين جاذبيتها لتكون خيارًا فعليًا لكل الفئات.
استنتاج قاتم
يختتم التقرير بنبرة تحذيرية، مؤكدًا أن استمرار الورش في ظل المعطيات الحالية سيؤدي إلى مزيد من استنزاف الفئات الضعيفة، وتحويل معاناة المرضى إلى ثروات بين أيدي المستثمرين الكبار. هذه “الثورة الصحية” التي كان من المفترض أن تعزز العدالة الاجتماعية، تحولت إلى قصة حزينة لتكريس الفوارق.
تحليل هذا التقرير يعكس تحديات جسيمة تواجه المغرب في مساعيه لتحقيق إصلاحات اجتماعية عميقة، ويطرح تساؤلات حول مدى التزام الجهات الوصية بضمان عدالة صحية حقيقية لكل المواطنين.