في الماضي، كانت السياسة تسكن القاعات، وكان القادة يخطبون بالمايكروفونات وأعضاء الأحزاب يناقشون قضايا الساعة بشغف وحماس. أما اليوم، فالكثيرون يتفقون أن “التأطير السياسي” بات نوعاً من أنواع الديناصورات التي انقرضت، وحلّ مكانه كائن جديد يسكن بين أيدينا، يُعرف بـ”التأطير السمارتفوني”.
الأمر صار بسيطاً، بل بغاية البساطة. لا داعي للذهاب إلى المقرات الحزبية ولا حاجة لحضور الاجتماعات، يكفي أن تفتح هاتفك الذكي وتتابع آخر “ترند” سياسي بلمسة واحدة. وفي خمس دقائق، ستصبح محللاً سياسياً معتمدًا، وأقرب لمدرب متطوع لمن حولك، بل وربما تسجل فيديو توجيهي تنال به إعجاب الآلاف – كل ذلك وأنت مستلقٍ على الأريكة، وربما مع فنجان قهوة في يدك!
الأحزاب اليوم تجد نفسها في مأزق غريب: كيف تنافس ذلك الجهاز الصغير الذي يستحوذ على قلوب الشباب وعقولهم؟ صارت المنصات الاجتماعية هي المنابر، والميمز هي الشعارات، والتعليقات الساخرة هي البيان السياسي! كل شاب يحمل هاتفاً بات حزبًا في جيب، منظم، سريع، وصاحب رؤية ساخرة، وفوق كل ذلك، لا يحتاج تمويلاً ولا أعضاء.
أما عن القادة السياسيين، فالمساكين يواصلون محاولاتهم لجذب الشباب عبر برامج عفا عليها الزمن، لكن دون جدوى، فالشباب باتت مشكلتهم الكبرى هي تحسين جودة الإنترنت، وليس الانتخابات. الجميع يعرف أن جلسة واحدة على السوشيال ميديا تكفي لتشكيل رأي حول أي قضية، بل وتتيح لك فرصة تحويل نفسك لمحلل سياسي في وقت قياسي، بينما الأحزاب تناضل لانتزاع مشاهدات أكثر من برنامج تلفزيوني ممل.
والنتيجة؟ انقراض مفهوم “التأطير السياسي” التقليدي وولادة حقبة التأطير السمارتفوني، حيث يصبح كل مواطن سياسيًا بنقرة على الشاشة، بلا عضوية، بلا اجتماعات، وبلا وعودٍ طويلة الأمد.
عبد الكريم قوقي