يشهد القطاع الطبي في المغرب أزمة حادة مع انطلاق السنة الجامعية الجديدة في كليات الطب والصيدلة، وسط مخاوف من فقدان سنة دراسية أخرى بعد عام مضطرب لم يشهد الطلاب خلاله دراسة أو تدريبًا. الأزمة تفاقمت بعد قرار الحكومة تقليص سنوات التكوين الطبي، ما أدى إلى مزيد من الغضب والاحتجاجات في أوساط الطلبة، الذين يعانون من غياب الحوار وغياب الحلول المناسبة.
في الوقت الذي تروج فيه الحكومة لمشروع الدولة الاجتماعية وتوسيع نطاق التغطية الصحية للمواطنين، تواجه فشلًا في التوصل إلى اتفاق مع الطلبة المعتصمين منذ ديسمبر 2023. هؤلاء الطلبة يطالبون بضمانات تحمي مستقبلهم المهني في ظل قرارات أحادية الجانب من الحكومة، التي اختارت المضي قدمًا في تنظيم امتحانات رغم غياب التدريس الفعلي. من هذا المنطلق لا ندري كيف تفسر الحكومة هذا الإخفاق في حل مشكل بسيط، يمكن حلحلته في برهة زمنية و جيزة، بدل الانكباب على معالجة عقيمة تطلبت سنة من هدر الزمن الجامعي للطلبة، و خرجت منها بخفي حنين أمام الجدار الخرساني لمشروعية الطلبة في ضمان تحصيل و تكوين علمي لمهنة أكثر دقة و حيوية في المجتمعات الانسانية.
ما يدعوا للاستغراب و الحيرة أمام شعارات فضفاضة للحكومة بترديدها مقطوعة و ترانيم الدولة الاجتماعية هو ماذا تعني بالدولة الاجتماعية و ماهي ملامحها في مخيلة التقنوقراط.. هل هي الدولة التي تمنح بعض ممن مواطنيها دعما “اجتماعيا” هزيلا لا يتجاوز 500 درهم لا بسمن و لا يغني من جوع، حيث وجد أكثر المستفيدين من هذا الدعم المهين أنفسهم مديونين لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتسديد انخراطاتهم التي لا يعلمون عنها شيئا، و لكن الدولة الاجتماعية أوسع من التصور الضيق للحكومة، بل يتجاوزه ليشمل جميع الفئات المجتمعية بما فيها التلاميذ و الطلبة بضمان تكوين مهني رصين سينعكس لا محالة على باقي الفئات و يساهم في بناء الدولة الاجتماعية التي ينشدها الجميع.
ورغم تدهور الوضع، لم تنجح الحكومة ولا الجهات المعنية، بما في ذلك وزارتي التعليم العالي والصحة، في استعادة الثقة مع الطلبة، بل زادت من تعقيد الوضع عبر حرمان الطلبة المحتجين من حقهم في السكن الجامعي وتهديدهم بفقدان المنح الدراسية. يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه المطالب بإنهاء التصعيد وضمان تكوين أكاديمي متين للمستقبل. الحكومة ماضية في تعنتها أمام الطوفان الأبيض لأطباء الغد.. رغم توفرها على الوسائل الكافية لطي هذا الملف بشكل حبي و سلس بدل استخدام الوسائل المشروعة لممارسة العنف المشروع لكبح طوفان الطلبة بوسائل تقوض الحرية و تعصف بالتشاركية الديمقراطية في اتخاذ قرار مصيري للطلبة.
الأزمة تسلط الضوء على إخفاق الحكومة في إدارة ملف حساس كهذا، حيث تمس تداعياته حق المجتمع في الحصول على خدمات طبية كافية، في ظل العجز الواضح عن معالجة مطالب الطلبة وضمان استمرار تكوينهم بشكل سليم. و ما هذا الاخفاق الحكومي سوى مشهد من مشاهد الاختناق السياسي بالمغرب التي يحتاج إلى صدمة سيكولوجية لإعادة السياسة و ظيفتها كفضاء للتفاعل الديمقراطي الحر.
عبد الكريم قوقي