تصبح السلطة مخدرا من المخدرات الصلبة، عندما تستولي على سلوك الفرد، ويرتبط وجوده بها، عندما يصل حد الإدمان والارتعاش …لكن المخدرات بدورها قد تصبح سلطة شرسة، مستبدة لا ترحم، تفرض مدونة سلوكها على الساسة والمواطنين ورجال الدولة، وتفرض انهيارها الأخلاقي على مؤسسات وأفراد يفترض خضوعهم لمصلحة الدولة والوطن قبل أي شيء.
وعندما تصبح جزءا من “ميكان+يزم” هذه السلطة، تصبح قطعة غيار في ميكانيك القرار، ميكانيك ضمن منطق لخصه، منذ عقود طويلة، فيلم »”سكارفايس (Scarface) ” للمخرج الكبير برايان دي بالما، في العام 1983، هذا الفيلم الموبوء لخص القصة التي نعيش فصولها، اليوم، بعنوان كبير »”إسكوبار الصحراء” ، في العلاقة بين السلطة والمال والمخدرات…في تعبير من حوارات الشريط: “تملك المخدرات، فأنت تملك المال، وتملك المال فأنت إذن تملك السلطة، وإذا كانت لك السلطة فأنت تملك كل الجميلات “….
شرط المخدرات موجود
وشرط المال موجود
شرط السلطة موجود
وشرط الجميلات أيضا ….
قبل ذلك، دعنا نستعيد لحظات القصة في جانبها المتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، وتمكين أصحاب هذه التجارة غير المشروعة من قدرة التحكم في مؤسسات مشروعة، والقدرة على اختراق مؤسسات بعينها، منها ما هو منذور لمحاربة المخدرات ولا سيما منها الصلبة…
ويبدو أن الحجم المفترض لهذه التجارة يتجاوز ما كنا نقدره في السر، كما يتضح من خلال ما يتم حجزه ، ففي ظرف 48 ساعة من بداية السنة الجديدة أعلنت الشرطة القضائية بمدينة طنجة وعناصر الأمن الوطني والجمارك العاملة بمعبر الكركرات الحدودي عن حجز ما مجموعه طن و860 مليغراما من مخدر الكوكايين، بعضها منذور للتسويق الخارجي، كما في حالة طنجة، والبعض الآخر يبدو أنه للسوق الداخلية، باعتبار أنها كانت قادمة من الخارج إلى داخل البلاد.
محاربة الاتجار الدولي التزام مغربي، ولا شك أن المحاربة بلا هوادة ستزداد لالتزامات المغرب الدولية مع الأطراف الشريكة، كما أن الإيقاع سيتضاعف مع اقتراب مواعيد المغرب الدولية لا سيما في أفق احتضان قمة الأنتربول، التي يعتبر ملف المخدرات كجزء من الجريمة المنظمة العابرة للقارات، نقطة مهمة في مهامها وفي تحركاتها…
ويستفاد من بلاغات الجهات المختصة بالأمن والجمارك والدرك أن تشعبات المافيات العاملة في البر والبحر وعبر الصحراء وفي كل الطرق الممكنة، لها ارتباطاتها وتقاطعاتها الإقليمية والدولية.. ضمن شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
الفصل الآخر هو عبور المخدرات وشبكاتها إلى.. شط السياسة ووصول أثريائها إلى تحديد الخرائط السياسية في المؤسسات، ولاسيما المنتخبة، وفرض منطق التواطؤ على مؤسسات سيادية أخرى كالقضاء والأمن، وما جاورهما…
وقد اتضح في الحكاية الحالية بأن المؤسسات الأمنية والوقائية لم تتستر على موظفيها ولا قامت بتبييضهم باسم تضامن ما أو باسم طائفية معينة، ويلزم أن تقوم السلطات السياسية بنفس الشيء بالنسبة لمن تورطوا في الملف من أبنائها المفترضين! كما أن قضية التراشح بين السياسة والمخدرات، قد صارت موضوع تفكير منذ صدور تقرير المرصد الجيوسياسي للمخدرات، عن تغلغل تجارها في صناعة المؤسسات السياسية للبلاد.
وقد بلغ الأمر إلى درجة من التخوف المعبر عنه من طرف كاتب هذه السطور عن »كولوبنة« colombisation أي تعميم النموذج الكولومبي على الممارسة السياسية للمغرب…
»الكوكايين، هي طريقة الله في أن يُفهمك بأنك تجني أموالا كثيرة،« كما ورد في فيلم » “زواج كبير”» على لسان الكبير روبين ويليام، وهي طريقة بأن يفهم الدولة أيضا بأن ديموقراطيتها قد تسقط في أيادي غير أمينة، والحق أقول أنني اقتنعت في الانتخابات الأخيرة، والتي شاركت فيها، بأن الدولة نفسها يمكن، لو أنها تتقدم بمرشحيها بدون سند إداري، أن تخسر أمام البارونات الجدد، أصحاب الأموال الطائلة والطائرة.. التي يتضح لنا أن كثيرا منها غير مشروع…
الكاتب : عبد الحميد جماهري