كشفت محاكمة جريدة شعلة النقاب عن مجموعة من الخبايا المطمورة، بشكل جلي، و طفت معها إلى السطح الحقيقة الغائبة الحاضرة، و هي أن الصحافة دائما كيفما كان خطها التحريري سواء مشاكسا أو ناعما فهي لا تركن للذين ظلموا، و عند معالجة القضايا و كشف النقاب عن تلابيبها و اختراق المناطق الظليلة، تظهر جليا القوى المناوئة و المضادة لكشف الحقيقة. فعودة لقضية الزميلة شعلة بريس، التي رفعتها عليه الجمعية المسيرة لمركز الثلاثي الصبغي، ففحوى الدعوة ما هو إلا زوبعة في فنجان، فالجريدة لم تقترف جرما بقدر ما لعبت دورا أساسيا في كشف مستور ظل حبيس الجدران، شاء له القدر أن يخرج إلى العلن و يبلغ عنان السماء. الحقيقة الغائبة عن العديد من الناس هي أن الصحافة ليست أداة طيعة في أيد من هب و دب و لكنها آلية من آليات الرقابة و مراقبة الشأن العام و تنشيط الديمقراطية، و تقويم الاعوجاج و الانتهاكات و الخروقات، فما ما قام به الزميل محمد حمدي من بسط معاناة المشتغلتين بذات المركز من تعسفات و طرد تعسفي و معاملة مسيئة على حد تصريحهما أمام القاضي في جلسة المحاكمة، عمل يدخل في صميم الاشتغال اليومي لصاحبة الجلالة باعتبارها اليوم الصوت الجهور لصرخة الضعفاء و المستضعفين، للتوضيح أكثر فالمركز المذكور الذي تسيره الجمعية و المتكون أغلب أعضاء مكتبها التنفيذي من العائلة المحترمة الشيء الذي لم تنكره الرئيسة أمام القاضي أثناء جلسة المحاكمة، فهو مركز تابع للدولة و يمول من أموال دافعي الضرائب و بالتالي فهو سيبقى دوما محط مساءلة إدارية و قانونية و تحت المراقبة الشعبية، التي من حقها أن تتساءل و تعرف ماذا يصنع داخل تلك المراكز من جودة الخدمات التي تقدم للمستفيدين، و مدى احترام حقوق المستخدمين… هي أسئلة كثيرة حارقة تنتظر إجابة..
و كما يقال فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، و لكن أي هجوم هذا، هجوم مبني على باطل ينطوي على طوية هدفها رد اعتبار مزعوم بعد اندحار على حساب صاحبة الجلالة، و ليته وقف عند هذا الحد فقد ظهرت مؤشرات تؤكد بالملموس أن الحرب ليست حرب رد اعتبار بحد ما هي حرب إبادة للجسم الصحفي بالرحامنة، يظهر أن هناك أطراف متعددة تنسج خيط المشنقة ليوم الإعدام الجماعي، و لكنه حلم العصافير، فالقلم باق إلى أن يرث الله الأرض و من عليها يزلزل الكيان و يهز الأركان.
الصحافة باقية بالرحامنة ملتئمة، تشتغل وفق المشروعية و الشرعية التي تتداعى عليها الجياع كما تتداعى على الجيفة، لنحرها و فض بكارتها… فانتحال صفة صحفي شيء و الملائمة شيء آخر، و ما بين الشيئين مسافة ألف سنة مما يعدون و يمنون به النفس الأمارة بالسوء.