في بلادنا، حيث أصبح الصمت حكمة الحكومات المتعاقبة، تُصر وزارة الصحة الحالية على أن تثبت أنها الأكثر وفاءً لهذه السياسة. فبينما يغلي قطاع الصحة كالمرجل، ويعلن مهنيوه الإضراب تلو الإضراب، يبدو أن الحكومة اختارت استراتيجية “التأمل العميق”، ربما بحثاً عن حل سحري يهبط عليها من السماء!
الوزير الجديد، القادم من عالم الشركات، يبدو وكأنه ما زال يظن أن إدارة الصحة العمومية تشبه إدارة خطوط إنتاج السردين أو منتجات التجميل. لا لقاءات، لا حوار، ولا حتى ردود على مراسلات النقابات! وكأن القطاع يعيش في “عطلة دائمة”، بينما المرضى يُتركون لمصيرهم في مستشفيات تكاد تكون مجرد أطلال.
أما الحكومة، فتبدو وكأنها تعمل بمبدأ “ما دام المرضى لا يحتجون، فلا مشكلة!”، متناسية أن الإضرابات المعلنة ستشل المستشفيات قريباً. ربما تراهن الحكومة على أن الشعب المغربي سيكتفي بـ”حبة أسبرين” كبديل عن مستشفيات مشلولة وأطباء غاضبين.
الأمر المثير للسخرية، أن الوزارة تُفاخر بخطاباتها الرنانة حول “تثمين الموارد البشرية”. لكن الحقيقة أن هذا “التثمين” لا يعدو كونه مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي. فلا شيء تغيّر، سوى أن الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ.
لنكن واضحين: الحكومة اليوم لا تثمن إلا الصمت، ولا تعترف إلا بالمماطلة. أما قطاع الصحة، فهو آخر اهتماماتها، مادام الوزير مشغولاً بتأمل أجندته المزدحمة بمواعيد لا علاقة لها بالصحة.
لعلنا بحاجة إلى وزارة جديدة، شعارها “الصحة أولاً”، وفريق حكومي يفهم أن صحة المواطنين ليست ورقة مساومة أو ملفاً يمكن تأجيله إلى حين. حتى ذلك الحين، يبقى على المغاربة أن يتسلحوا بالصبر… والكثير من الأسبرين.