كثيرة هي المشاهد المزلزلة لوضعية المغربية، مشاهد تدمي لها القلوب، و تخر لها الجبال، مشاهد مرعبة انتزعت من المرأة أنوثتها و حولتها إلى جلاميد قاسية… لا يمكن تصور مجتمع يستقيم بدون امرأة تعيش في طمأنينة بعيدة عن كل المآسي النفسية و غيرها من الفواجع المتكررة.
تتبعنا للحركات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة، لا تنفك عن الدفاع عن حرية المرأة في اتخاذ قراراتها و اختياراتها و التي تكون حاسمة في مسار حياتها، و لا تخرج دائرة الدفاع كذلك عن التمييز و العنف الممارس على المرأة من قبل الرجل، كل هذا يمكن أن نستسيغه عن حسن نية، و لكن هل الرجل وحده في هذه الحلقة المفقودة من سلسلة الحقوق هو الوحش الضاري في هذا المسلسل؟
كل البنادق توجه إلى الرجل، و إلى عنفه و ضراوته، و نتجاهل أو نتناسى عنف المجتمع و الدولة مع المرأة، عنف يتزايد يوم بعد يوم، و تظهر ملامحه من خلال المشاهد المؤلمة و السيناريوهات المؤسفة التي تتعرض لها ساعة بساعة، و لا نتحدث هنا عن العنف الجنسي و غيره لأن الحديث عن هذا الموضوع تحصيل حاصل، و نتيجة منطقية و حتمية لتخلي الدولة عن مسؤولياتها الحقيقية بعيدا عن الشعارات الرنانة و البلاطوات و أمام الكاميرات التي لا تستطيع حجب غابة من المآسي و الهموم، و التي يعريها الواقع اليومي و يكشف عورتها بسهولة و بساطة، و من أبرز عناوينها تفشي الدعارة بشكل جلي في أوساط المجتمع، و التي يروح ضحيتها آلاف النسوان من مختلف الأعمار، و جلهن من الأوساط الهشة و الفقيرة ، ليطرح سؤال عملاق و جوهري، أهكذا تكرم المرأة في مجتمع من المفروض فيه أن يكون حاضنا لها و حصنا حصينا بينها و بين هذه الموبقات التي لا تبقي و لا تذر.
اليوم نرى و نسمع في مختلف الوسائط الإعلامية، تكريمات بالجملة للمرأة، و تغن و مديح بها، كلهن نساء رائدات و فاعلات، و لا نعلم أي ريادة يتحدثون عنها، كلهن نساء يعشن رغد العيش و ترف الحياة، و لم نسمع أو نرى تكريما لامرأة بسيطة من البراري تكافح من أجل لقمة عيش في بيئة قاسية. مراسيم تقتصر على “ليديات” المجتمع و معهم “جنتلماناته” في مسرحية ساخرة يحتفون ببعضهم البعض، أليست بائعة الخبز و الهوى التي أخرجتها براثن الزمان و قسوة المجتمع و الدولة إلى بيع جسدها لسد رمق أطفالها، و الطباخة و راعية الغنم و الفقيرة في أدغال الرحامنة و قمم الجبال بنات حواء؟ و هل يكون تكريم المرأة في يومها العالمي بصهيل الخيول و باقات الورود هو وسيلة أم غاية في حد ذاته؟ و هي ما زالت تدافع الشقاء شعتاء، غبراء، تسابق عاتيات الزمن من أجل لقمة تتبلغ بها و أطفالها، و تبحث عن فرصة للتطبيب المجاني قد يجود بها المحسنون على اختلاف مللهم و نحلهم. و ما عسانا نقول إلا كما قال المتنبي: عيد بأية حالة عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد.